حكم «كتابة الأملاك للبنات» قبل الوفاة.. الإفتاء تجيب

الإفتاء تمثل المرجع الشرعي الذي يلجأ إليه الكثير من الآباء والأمهات عند الرغبة في معرفة الحكم الديني الصحيح حول «كتابة الأملاك» للبنات في حياتهم، حيث يزداد تساؤل الناس عن هذه القضية الحساسة التي تمس «الميراث» وحقوق الورثة، ويلجأ العديد من الأسر إلى دار الإفتاء طلبًا للتوجيه حتى يطمئنوا إلى أن تصرفاتهم المالية تسير وفق الشريعة، وقد أكدت الإفتاء أن التعامل مع «الأملاك» قبل الوفاة يجب أن يتم وفق شروط دقيقة حتى لا يحدث نزاع أو ظلم بين الورثة، ويأتي هذا التأكيد نتيجة لتكرار الأسئلة التي تدور حول ما إذا كان للأب أو الأم أن يكتبوا كل ما يملكون لبناتهم خوفًا عليهن بعد الوفاة، لذلك تقدم الإفتاء ضوابط شرعية واضحة توضح متى تكون «الهبة» جائزة ومتى تصبح مخالفة لأحكام الإسلام، كما شددت الإفتاء على أن النية وراء التصرف المالي تلعب دورًا كبيرًا في تحديد الحكم.
شروط «كتابة الأملاك» كما أوضحتها الإفتاء
أوضحت الإفتاء من خلال تصريحات أمناء الفتوى أن «كتابة الأملاك» للبنات جائزة شرعًا بشرطين رئيسيين، الشرط الأول أن يترك الأب أو الأم جزءًا من المال ليُقسم بعد الوفاة وفق أحكام «الميراث» الشرعي حتى لا تتعطل القواعد التي وضعها الله تعالى، والشرط الثاني أن يكون القصد من هذه الكتابة هو «الإحسان» وتأمين مستقبل البنات وليس حرمان الورثة الآخرين من حقوقهم، فالإفتاء تؤكد أن الإسلام لا يجيز أن يُكتب كل ما يملكه الوالدان للبنات فقط إذا كان هذا سيؤدي إلى حرمان بقية الورثة من حقوقهم الشرعية، لأن ذلك يعد «اعتداءً» على الحدود التي وضعها الله، كما أن هذا السلوك قد يخلق خصومات وعداوات بين الإخوة والأقارب.
نية التصرف وأثرها في الحكم الشرعي
الإفتاء شددت على أن نية الوالد أو الوالدة هي العامل الأهم، فإذا كان الهدف من «كتابة الأملاك» هو «العدل» وحماية البنات من ضياع حقوقهن في ظل تقلبات الحياة فلا حرج في ذلك، أما إذا كان الدافع هو «الإضرار» بالورثة أو الرغبة في حرمان أحدهم بسبب خلافات شخصية فإن هذا الفعل يأثم به الإنسان شرعًا، فالإفتاء أوضحت أن النية الطيبة والإصلاح بين العائلة هي الأساس الذي يقوم عليه الحكم الشرعي، كما أن التوزيع العادل في حياة الوالد يعد «هبة» مشروعة إذا توافرت شروطها من الإيجاب والقبول وتم تسليم المال أو العقار فعليًا للبنات في حياة الوالد، مؤكدة أن مجرد الكلام أو النية لا يُعتد به.
أمثلة حقيقية تبين خطورة إهمال الضوابط
ذكرت الإفتاء أمثلة توضح العواقب، منها قصة امرأة كتبت كل أملاكها لابنتها الوحيدة خوفًا عليها، لكن القدر شاء أن تموت الابنة قبل الأم، فانتقل الميراث إلى أعمام الفتاة الذين أخذوا العقار وطردوا الأم من منزلها، وهنا تنبه الإفتاء إلى أن الالتزام بالشروط الشرعية يحمي الجميع من هذه المآسي، فالتصرف في «الأملاك» بلا دراسة أو مراعاة للضوابط قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، لذلك دعت الإفتاء كل من يفكر في هذه الخطوة إلى التأني واستشارة أهل العلم.
حكم «توزيع الميراث» في حياة الوالدين
تؤكد الإفتاء أن تقسيم «الميراث» لا يصح ما دام الشخص حيًا، لأن التركة لا تُقسم إلا بعد الوفاة، فإذا قسم الأب أو الأم المال في حياتهم دون أن يتم تمليك فعلي للأبناء فهذا لا قيمة له شرعًا، أما إذا تم تمليك كل ابن أو ابنة جزءًا من المال على سبيل «الهبة» مع استيفاء شروطها الشرعية، ودون قصد حرمان أحد من حقه، وكان ذلك في وقت صحة وعافية وليس في مرض الموت، فإن هذا جائز ويصبح المال ملكًا لمن تم تمليكه، وهنا توضح الإفتاء الفرق بين «الهبة» الشرعية والتقسيم المسبق للميراث، فالأولى جائزة إذا توفرت شروطها بينما الثانية لا تجوز.
نصائح الإفتاء للأهالي قبل الإقدام على كتابة الأملاك
وجهت الإفتاء نصائح عدة للآباء والأمهات الراغبين في كتابة «الأملاك» لبناتهم، منها ضرورة توثيق الهبة رسميًا حتى تكون نافذة، ووجوب ترك جزء من المال ليقسم بعد الوفاة لضمان تطبيق شرع الله في الميراث، كما أوصت الإفتاء بأن تكون النية خالصة لوجه الله وأن يبتعد الأهل عن أية رغبة في الانتقام أو إثارة الفتنة بين الأبناء، وحثت الإفتاء على استشارة العلماء والفقهاء قبل إتمام أي تصرف مالي كبير لضمان صحة الإجراء.