الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 الموافق 10 رجب 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

«الملك الشمس».. أمنحتب الثالث أيقونة العمارة في الأسرة الثامنة

أمنحتب الثالث
أمنحتب الثالث

أثار الطرح الذي قدمه الباحث طارق فرج مؤخراً، حول احتمالية أن يكون الملك «أمنحتب الثالث» هو «فرعون الخروج» المذكور في الكتب السماوية، حالة من الجدل الواسع في الأوساط الثقافية والأثرية.

 ورغم أن هذا الطرح قوبل بتفنيد علمي صارم من كبار خبراء المصريات الذين أكدوا عدم وجود أدلة أثرية قاطعة تربط بين هذا الملك ومواجهة النبي موسى، إلا أن هذا الجدل أعاد تسليط الضوء على واحد من أعظم وأزهى عصور الدولة الحديثة في مصر القديمة، وهو عصر الملك الذي لُقب بـ «الفرعون الشمس».

الصبي الذي حكم العالم من عرش طيبة

تولى أمنحتب الثالث مقاليد الحكم في الفترة ما بين «1405 – 1370» قبل الميلاد، وهو لا يزال في ريعان شبابه، حيث لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره عند وفاة والده الملك تحتمس الرابع.

 ورغم أن أمه الملكة «موت إم ويا» كانت زوجة ثانوية، إلا أن أمنحتب نجح في إثبات جدارته بالعرش، ليحكم مصر منفردًا لمدة قاربت الستة وثلاثين عامًا.

خلال هذه العقود الثلاثة، لم يكن أمنحتب مجرد ملك لمصر، بل كان «أعظم عاهل في العالم المتمدين» آنذاك.

 ففي عهده، بلغت الإمبراطورية المصرية ذروة اتساعها وقوتها، وأصبحت صاحبة السيادة السياسية والأدبية المطلقة في الشرق القديم، حيث كانت الوفود والمراسلات الدبلوماسية تتدفق على "طيبة" (الأقصر حاليًا) لطلب ود هذا الفرعون القوي.

«إمبراطور البناء».. كيف زيّن أمنحتب وجه مصر؟

وفقاً لما ذكره عالم الآثار الكبير الدكتور سليم حسن في موسوعته الشهيرة «مصر القديمة»، يُعد أمنحتب الثالث أعظم ملك قام بأعمال البناء والتعمير في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة.

 فبينما استنزف الملوك السابقون طاقات الدولة في الحروب التوسعية، استغل أمنحتب حالة الاستقرار والرخاء في تصميم أرقى المباني المعمارية.

لم يكتفِ الملك بتزيين عاصمته «طيبة» بالمعابد الشاهقة، بل امتدت يده لتعمر أرجاء البلاد من الوجه البحري حتى أعماق السودان. 

ومن أبرز آثاره الباقية معبد الأقصر، ومعبده الجنائزي الذي لم يتبقَ منه سوى «تمثالي ممنون» الشهيرين، اللذين يقفان حتى يومنا هذا كشاهدين على ضخامة البناء في عهده. 

لقد كانت المعابد في عهده تفيض بالثراء، والقرابين لا تتوقف، مما جعل من مصر «قبلة الفنون» في العالم القديم.

الفرعون الرياضي وقناص الأسود والثيران

لم تكن شخصية أمنحتب الثالث تقتصر على السياسة والبناء فحسب، بل كان رياضياً من الطراز الأول وصياداً ماهراً. 

وتكشف لنا الآثار عن «جعارين تذكارية» سجلت بطولاته في الصيد، حيث ذكر أحد الجعارين أنه استطاع اقتناص «100 ثور بري» في رحلة صيد ملكية استغرقت يومين فقط.

وفي السنة العاشرة من حكمه، أصدر جعارين أخرى تفخر بمهارته القتالية والجسدية، مشيراً إلى أنه منذ اعتلائه العرش قتل «102 من الأسود» المفترسة خلال رحلاته الخلوية. 

هذا الشغف بالرياضة والقنص كان وسيلة لإظهار قوة الفرعون وقدرته البدنية الفائقة أمام شعبه والملوك المنافسين.

سلام القوة.. جبهة النوبة والحدود الجنوبية

اتسم عهد أمنحتب الثالث بالاستقرار والرخاء الطويل، وهو ما جعل البعض يظن خطأً أنه أهمل الجانب العسكري. 

إلا أن الدكتور حسين عبد البصير، في كتابه «الفراعنة المحاربون»، يوضح أن الملك أبدى اهتماماً كافياً بالعسكرية لدرجة تضمن حماية أمنه القومي.

واجه أمنحتب بعض القلاقل في السنة الخامسة من حكمه في بلاد النوبة، حيث قاد حملة ناجحة لقمع المتمردين ووسع مساحة ملكه حتى وصل إلى «الجندل الرابع». 

وعندما اندلعت ثورة أخرى خلف الجندل الثاني، أظهر الملك حكمة إدارية بإرسال نائبه وابن الملك في «كوش» لقمعها، دون الحاجة لتحريك الجيش الإمبراطوري بكامل قوته، مما يعكس قوة الإدارة المصرية واستقرار النظام الحاكم في ذلك الوقت.

خاتمة: إرث لا يغيب

إن الجدل حول كون أمنحتب الثالث هو «فرعون الخروج» يظل مجرد فرضيات تفتقر للسند الأثري في نظر الكثير من العلماء، لكن الثابت تاريخياً هو أن هذا الملك كان «فرعون الشمس» الذي أضاءت حضارته جنبات العالم القديم.

 بوفاته، انتهى عصر من الرخاء الذهبي، تاركاً خلفه إرثاً معمارياً وحضارياً جعل من اسمه مرادفاً للعظمة والمجد المصري الخالد.

تم نسخ الرابط